• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الانتحار لمن لم يفهم معنى الحياة

باسم حسين الزيدي

الانتحار لمن لم يفهم معنى الحياة

«إذا رأيت شخصاً يأتي بألف دليل ودليل على أنّ الموت خيرٌ من الحياة، فاعلم أنّه لم يفهم معنى الحياة»

الإمام محمّد الشيرازي

يجلس وحيداً في غرفة أضوائها خافتة، يبكي. حزين، خائف من المستقبل، يفكر بطريقة ما لإنهاء حياته البائسة، بعد أن سئم من الاستمرار فيها، يضع الحبل حول رقبته... وبلا وداع للأحبة أو مقدّمات يستسلم ويرحل عن الدُّنيا بلا هدف.

هذه هي الحالة التقليدية التي صوّرها لنا الإعلام (سينما، تلفزيون، إذاعة، مسرح، وسائل أخبار... إلخ) بطريقة أقرب إلى المثالية والمقبولية لدى المُتلقي الذي سوف يتعاطف ويلتمس الأعذار لمن أقدم على الانتحار من دون أن يدرك حقيقة أنّ الأخير بفعله هذا أثبت فشله الحقيقي في عدم فهم المعنى الحقيقي للحياة، أو في أقل تقدير، أن يجرّب نصيبه من الدُّنيا بعد أن حكم على نفسه بالفشل مقدماً.

إهدار للحقوق

هل تعلم أيضاً إنّك بإقدامك على الانتحار قد أهدرت كلّ حقوقك سلفاً؟!

وقد تنازلت بإرادتك عن كلّ فرصك في هذه الدُّنيا وفي الحياة الآخرة التي هي لا يمكن مقارنتها بالحياة التي نعيشها على هذه البسيطة!.

وإذا استغربت من هذا الأمر وحاولت أن تصوّر نفسك على أنّك من المظلومين المقهورين أو المغلوبين على أمرهم، فتلك مقارنة غير واقعية، بل إنّك بذلك قد ظلمت المظلوم، لأنّه لم يعرف بظلامته إلّا بعد أن صدح بها ووقف ضد الظالم والظلم، وأخذ بالأسباب الطبيعية والغيبية في السعي لتحقيق النصر على الظالمين، وهو بذلك لم يتنازل عن حقّ واحد من حقوقه، ويكفي أن نذكّر أنفُسناً بالقول الفصل، القرآن الكريم، الذي فرق بين المظلوم والمنتحر، وكيف نصر الأوّل وكان سنده في طلب حقوقه، فيما نهى الثاني واعتبره من أفعال الهلكة والضياع.

قال تعالى: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر/10)، وقال تعال: (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا) (الفتح/ 3)، وقال تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (البقرة/ 59)

أمّا في حقّ المنتحر، فقد وجّه ربّ العالمين الكلمات التالية في حقّه، قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا) (النِّساء/ 29-30)، وقال تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة/ 195)، وبناءً على ما تقدّم فإنّ الفرق واضح بين الحالتين والقارئ يحكم، لذا لا تحسب نفسك على المظلومين بعد اليوم، كما إنّ الخيار لك في أن تسلك أي الطريقين، وللسيِّد محمّد الشيرازي (رحمه الله) كلمات جميلة حول اختيار الأصلح لك حيث يقول: «لقد خلق الله الإنسان وزوّده بجميع المؤهّلات للراحة ومكّنه منها، وأهمّها العقل حيث إنّ هذا العقل له القدرة والاستطاعة على تمييز الحقّ من الباطل والهدى من الضلال والنقص من الكمال، وترك له الخيار في سلوك الطريق الذي يشاء منهما».

خيانة للأمانة

هل تعلم إنّك قد تصبح من الخائنين للأمانة في حال إقدامك على فعل الانتحار؟!

لا تستغرب من هذا الكلام، فقد أمر الله (عزّوجلّ) أن تحفظ الأمانة وتُرجعها إلى صاحبها من دون خلل أو نقص أو طمع فيها، وهذه هي الفطرة الطبيعية التي فطر الله (عزّوجلّ) الإنسانية عليها، يقول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النِّساء/ 58)، ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون/ 8)، وهنا يمكن أن نطرح التساؤل الآتي: هل هناك أمانة أعظم من هذا الجسد والروح التي منحها الله (عزّوجلّ) لك لتعدمها الحياة بلا مقابل أو سبب؟ وإذا كان الأمر كذلك ألا تعتبر من الخائنين للأمانة لأنّك لم تؤدِّيها بصورتها الطبيعية بل بصورة قسرية خارجة عن المألوف والمتعارف؟  

العلم والعمل

يقول السيِّد محمّد الشيرازي: «إنّ الدُّنيا دار الأسباب والمسبّبات، ولا يمكن الحصول على المكاسب المادية والمعنوية التي أودعها الله تعالى في الحياة الدُّنيا، دون تهيئة الأسباب الموصلة إليها، ومن أهمّ الأسباب العلم والعمل معاً».

والحقيقة إنّ أغلب الناجحين في حياتهم هم بالأساس أُناس فشلوا فشلاً ذريعاً في بداية حياتهم، فمن منّا لا يعرف (بيل غيتس) صاحب أكبر وأشهر شركة للبرمجيات والأجهزة الالكترونية (مايكروسوفت) الذي كان يعمل في شركة بلا مقابل لمجرد السماح له باستخدام حواسيبهم، حتى إنّ الشركة أُغلقت لاحقاً لتبدأ بعدها مسيرة حياته الناجحة.

ومن منا لا يعرف (توماس إديسون) الذي قال عنه مدرّسوه أنّه غبي لدرجة أنّه لا يستطيع تعلُّم أي شيء!، والنتيجة اسمه ارتبط بما يزيد عن 1000 براءة اختراع، بعض هذه الاختراعات غيّرت العالم، وأهمّها المصباح الكهربائي وكاميرا الأفلام.

ومن منّا لا يعرف (إسحاق نيوتن) الذي ترك المدرسة ليعمل مزارعاً في مزرعة عائلته ويفشل في ذلك، ليتحوّل لاحقاً إلى أعظم العلماء الذين غيروا مجرى التاريخ العلمي.

كلّ هؤلاء وغيرهم فشلوا في بداية حياتهم، وتحطّمت معنوياتهم، ووصل بعضهم إلى حافة الإفلاس والجنون والإحباط، لكنّهم لم يستسلموا أو يصابوا باليأس، بل عملوا جهدهم وحكّموا عقولهم وأخذوا بالأسباب والأمل حتى تمكّنوا من النجاح.

بالعلم والعمل تمكّنوا من تحقيق أهدافهم كاملة غير منقوصة، لا باليأس ومحاولة البحث عن طريقة أو أُخرى للانتحار وإنهاء حياتهم بطريقة ساذجة وبعيدة عن فطرة الإنسان وأخلاقه وعقله الذي يحكمه النُّضج والفهم والنظرة العميقة للأُمور، والتي هي من خلال وجهة نظر المرجع الراحل السيِّد محمّد الشيرازي «عملٌ صعب، وإن تحصيلها لا يتم إلّا عن طريق المشقة، وبذل الجهد، والمواصلة في الفحص، وكسب التجارب، ولعلّ أوّل الطُّرُق إلى ذلك هو ضبط النفس، والسيطرة عليها».

زاوية الأمل

هل هناك زاوية للأمل يمكن أن نركن إليها في فهم الحياة والنجاح في مقاصدها بعيداً عن الزوايا المظلمة التي تقودنا إلى الانتحار؟

نعم بالتأكيد... تلك الزاوية التي يخبرنا بها السيِّد محمّد الشيرازي في قوله: «لكلّ مقصد يريده الإنسان زوايا إيجابيةٌ، وزوايا سلبيةٌ، ومن دأب العاملين أن ينظروا إلى الأُمور من زواياها الإيجابية، كما أنّ من شأن السلبيين أن ينظروا إليها من زواياها السلبية».

لو دققنا النظر في هذه العبارة لوجدنا فيها الكثير من المفاتيح التي تكسر القيود والأغلال التي صنعناها لأنفُسنا وجعلتنا لا نبرح الأرض من شدّة الكسل والإحباط واليأس، فمثلاً:

1- ينظر للفشل على أنّه أحد الزوايا السلبية، لكنّ الناجحين ينظرون له كخطوة تقدّمهم نحو النجاح.

2- كلّ هدف أو عمل أو طريق فيه الجيِّد والسيء، النجاح والفشل، الإيجاب والسلب، الربح والخسارة، المهمّ ماذا تختار أنت منهما.

3- المشاكل ترافق النجاح دائماً وليس الفشل، لذا عليك الاستعداد لمجابهتها وحلها بطريقة إيجابية، وقد أشار السيِّد محمّد الشيرازي إلى هذا المعنى بالقول: «ترتطم المشاكل دائماً بالإنسان ومن كلّ جانب، وغالباً ما يرتطم الإنسان فيها، إذا لم يراعِ الدقة الأكيدة في التخلُّص أو التقليل منها، وذلك يحتاج إلى المراقبة الدائمة واليقظة الكافية والاستعانة بالله، فإنّه نعم المولى ونعم النصير، وإلّا فالمشاكل تتقوى وتتراكم حتى تكون سيلاً يجرف بالإنسان».

4- الأمر كلّه، بعد توفيق الله (عزّوجلّ)، يعتمد عليك وليس على أحدٍ سواك، فأنت مَن ينجح وأنت مَن يفشل، وليس القدر، البيئة، السياسة، الفقر، الظروف... إلخ، والتي لا تعدو كونها مسوغات لتبرير التقاعس عن إكمال طريق النجاح.

ارسال التعليق

Top